منافسة
أُعلن الإضراب في دور البغاء
:البغايا قلن
لم يبق لنا من شرف المهنة
!إلا الإدعاء
إننا مهما اتسعنا
ضاق باب الرزق
من زحمة فسق الشركاء
!أبغايا نحن؟
كلا.. أصبحت مهنتنا أكل هواء
وكان العهر مقصورا
على جنس النساء
ما الذي نصنعه؟
!ما عاد في الدنيا حياء
كلما جئنا لمبغى
فتح الأوغاد في جانبه مبغى
!وسموه: اتحاد الأدباء
الممكن والمستحيل
!لو سقط الثقب من الإبرة
!لو هوت الحفرة في حفرة
!لو سكِرت قنينة خمرة
!لو مات الضِّحك من الحسرة
لو قص الغيم أظافره
!لو أنجبت النسمة صخرة
فسأؤمن في صحة هذا
وأُقِرُّ وأبصِم بالعشرة
لكنْ.. لن أؤمن بالمرة
أن بأوطاني أوطانا
وأن بحاكمها أملاً
أن يصبح، يوماً، إنسانا
أو أن بها أدنى فرق
ما بين الكلمة والعورة
أو أن الشعب بها حر
!أو أن الحرية.. حرة
مكتوب
من طرف الداعي
:إلى حضرة حمّال القُرَح
لك الحياة والفرح
نحن بخير، وله الحمد، ولا يهمنا
شيء سوى فراقكم
نود أن نعلمكم
أن أباكم قد طفح
وأمكم توفيت من فرط شدة الرشح
وأختكم بألف خير.. إنما
تبدو كأنها شبح
تزوجت عبدالعظيم جاركم
وزوجها في ليلة العرس انذبح
ولم يزل شقيقكم
في السجن.. لارتكابه
أكثر من عشر جُنح
وداركم عامرة.. أنقاضها
وكلبكم مات لطول ما نبح
وما عدا ذلك لا ينقصنا
سوى وجودكم هنا
أخوكم الداعي لكم
قوس قزح
ملحوظة: كل الذي سمعته
عن مرضي بالضغط والسكرِ.. صح
ملحوظة ثانية: دماغ عمك انفتح
وابنة خالك اختفت
لم ندر ماذا فعلت
!لكن خالك انفضح
:ملحوظة أخيرة
!لك الحياة والفرح
أمام الأسوار
إحتمالان أمام الشاعر الحر
إذا واجه أسوار السكوت
:إحتمالان
فأما أن يموت
!أو يموت
أقسى من الإعدام
الإعدام أخف عقاب
يتلقاه الفرد العربي
أهناك أقسى من هذا؟
طبعاً
فالأقسى من هذا
!أن يحيا في الوطن العربي
تفاؤل
دق بابي كائن يحمل أغلال العبيد
بشع
في فمه عدوى
وفي كفه نعيٌ
وبعينيه وعيد
رأسه ما بين رجليه
ورجلاه دماء
وذراعاه صديد
قال: عندي لك بشرى
!قلت: خيرا؟
قال: سجل
حزنك الماضي سيغدو محض ذكرى
!سوف يستبدل بالقهر الشديد
إن تكن تسكن بالأجر
فلن تدفع بعد اليوم أجرا
سوف يعطونك بيتا
!فيه قضبان حديد
لم يعد محتملا قتلك غدرا
!إنه أمر أكيد
قوة الإيمان فيكم ستزيد
سوف تنجون من النار
!فلا يدخل في النار شهيد
ابتهج
!حشر مع الخرفان عيد
!قلت ما هذا الكلام؟
إن أعوام الأسى ولت، وهذا خير عام
إنه عام السلام
عفط الكائن في لحيته
قال: بليد
!قلت: من أنت؟
!وماذا يا ترى مني تريد؟
قال: لا شيء بتاتاً
!إنني العام الجديد
الرجل المناسب
باسم والينا المبجّل
قرروا شنق الذي اغتال أخي
لكنه كان قصيراً
فمضى الجلاد يسأل
رأسه لا يصل الحبل
فماذا سوف أفعل ؟
بعد تفكير عميق
أمر الوالي بشنقي بدلاً منه
لأني كنت أطول
المتهم
كنت أمشي في سلام
عازفاً عن كل ما يخدش
إحساس النظام
لا أصيخ السمع
لا أنظر
لا أبلع ريقي
لا أروم الكشف عن حزني
و عن شدة ضيقي
لا أميط الجفن عن دمعي
و لا أرمي قناع الابتسام
كنت أمشي… و السلام
فإذا بالجند قد سدوا طريقي
ثم قادوني إلى الحبس
و كان الاتهام
أنّ شخصاً مر بالقصر
و قد سبّ الظلام
قبل عام
ثم بعد البحث و الفحص الدقيق
علم الجند بأن الشخص هذا
كان قد سلم في يومٍ
على جار صديقي
الهارب
في يقظتي يقفز حولي الرعبْ
في غفوتي يصحو بقلبي الرعبْ
يحيط بي في منزلي
يرصدني في عملي
يتبعني في الدربْ
ففي بلاد العرب
كلّ خيالٍ بدعةٌ
و كل فكرٍ جنحةٌ
و كل صوت ذنبْ
هربت للصحراء من مدينتي
و في الفضاء الرحبْ
صرخت ملء القلبْ
إلطف بنا يا ربنا من عملاء الغربْ
إلطف بنا يا ربْ
:سكتُّ… فارتد الصدى
خسأت يا ابن الكلبْ
وظيفة القلم
عندي قلم
ممتلئٌ يبحث عن دفتر
و الدفتر يبحث عن شعر
و الشعر بأعماقي مضمر
و ضميري يبحث عن أمن
و الأمن مقيم في المخفر
و المخفر يبحث عن قلم
عندي قلم
! وقع يا كلب على المحضر
كابوس
الكابوس أمامي قائم
قمْ من نومكَ
لست بنائم
ليس، إذن، كابوساً هذا
!بل أنت ترى وجه الحاكم
مزايا و عيوب
:نبح الكلب بمسؤول شؤون العاملين
سيدي إني حزين
هاك… خذ طالع مِلفي
قذرٌ من تحت رجليَّ إلى ما فوق كتفي
ليس عندي أي دين
لاهثٌ في كل حين
بارعٌ في الشمّ و النبح و عقر الغافلين
بطلٌ في سرعة العدو،
خبيرٌ في إقتفاء الهاربين
فلماذا يا ترى لم يقبلوني
!في صفوف المخبرين ؟
هتف المسؤول: لكن
فيك عيبان يسيئان إليهم
!أنت يا هذا وفيٌ و أمين
شموخ
في بيتنا
جذع حنى أيامه
و ما انحنى
!فيه أنا
مسألة مبدأ
قال لزوجه: اسكتي
و قال لابنه: انكتم
صوتكما يجعلني مشوش التفكير
لا تنبسا بكلمةٍ
أريد أن أكتب عن
!حرية التعبير
تشخيص
من هناك ؟
لا تخف.. إني ملاك
إقترب حتى أرى
لا، لن تراني
بل أنا وحدي أراك
! أيّ فخرٍ لك يا هذا بذاك ؟
لست محتاجاً لأن تغدو ملاكاً
كي ترى من لا يراك
!عندنا مثلك آلاف سواك
إن تكن منهم
فقد نلت مناك
أنا معتادٌ على خفق خطاك
و أنا أسرع من يسقط سهواً في الشباك
و إذا كنت ملاكاً
فبحق الله قل لي
!أيّ شيطان إلى أرض الشياطين هداك ؟
لن تموت
لا… لن تموت أمتي
مهما إكتوت بالنار و الحديد
لا… لن تموت أمتي
مهما إدعى المخدوع و البليد
لا… لن تموت أمتي
كيف تموت ؟
من رأى من قبل هذا ميتاً
يموت من جديد ؟
درس في الإملاء
:كتب الطالب
حاكِمَنا مُكْتئباً يُمسي
و حزيناً لضياع القدس
صاح الأستاذ به: كلاّ
إنك لم تستوعب درسي
إرفع حاكمنا يا ولدي
و ضع الهمزة فوق الكرسي
هتف الطالب: هل تقصدني
!أم تقصد عنترة العبسي ؟
!أستوعبُ ماذا ؟
!و لماذا ؟
دع غيري يستوعب هذا
و إتركنى أستوعب نفسي
!هل درسك أغلى من رأسي ؟
جواز
قال: إلهي… إنني لم أحفظ السنة
و لم أقدم لغدي
ما يدفع المحنة
عصيت ألف مرة
و خنت ألف مرة
و ألف ألف مرةٍ
وقعت في الفتنة
لكنني
و منك كل الفضل و المنّة
كنت بريئاً دائماً
من حب أمريكا
و من حب الذي يحب أمريكا
عليها و على آبائه اللعنة
هل ليَ من شفاعةٍ ؟
!قيل: ادخل الجنة
مشاتمة
قال الصبي للحمار: يا غبي
:قال الحمار للصبي
! يا عربي
شاهد إثبات
لا تطلبي حريةً أيتها الرعية
لا تطلبي حرية
بل مارسي الحرية
إن رضي الراعي… فألف مرحبا
و إن أبى
فحاولي إقناعه باللطف و الروية
قولي له أن يشرب البحر
!و أن يبلع نصف الكرة الأرضية
ما كانت الحرية إختراعه
أو إرث من خلّفه
لكي يضمها إلى أملاكه الشخصية
إن شاء أن يمنعها عنك
زواها جانباً
أو شاء أن يمنحها… قدّمها هدية
قولي له: إني ولدت حرّة
قولي له: إني أنا الحرية
إن لم يصدقك فهاتي شاهداً
و ينبغي في هذه القضية
!أن تجعلي الشاهد… بندقية
تقويم إجمالي
سألت أستاذ أخي
عن وضعه المفصّل
فقال لي: لا تسألْ
!أخوك هذا فطحلْ
حضوره منتظم
سلوكه محترم
تفكيره مسلسلْ
لسانه يدور مثل مغزلْ
و عقله يعدل ألف محمل
ناهيك عن تحصيله
ماذا أقول ؟ كاملٌ ؟
كلاّ… أخوك أكمل
!ترتيبه، يا سيدي، يجيء قبل الأول
!و عنده معدّلٌ أعلى من المعدل
لو شئتها بالمجمل
أخوك هذا يا أخي ليس له
!مستقبل
مساءلة
قلت للحاكم: هل أنت الذي أنجبتنا ؟
قال: لا… لست أنا
قلت: هل صيّرك الله إلهاً فوقنا ؟
قال: حاشا ربنا
قلت: هل نحن طلبنا منك أن تحكمنا ؟
قال: كلا
قلت: هل كان لنا عشرة أوطان
و فيها وطنٌ مستعمل زاد على حاجتنا
فوهبنا لك هذا الوطنا ؟
قال: لم يحدث… و لا أظن هذا ممكنا
قلت: هل أقرضتنا شيئاً
على أن تخسف الأرض بنا
إن لم نسدد ديْننا ؟
قال: كلا
قلت: مادمت، إذن، لست إلهاً
أو أباً
أو حاكماً منتخباً
أو مالكاً
أو دائنا
فلماذا لم تزل، يا ابن الكذا، تركبنا ؟
… و انتهى الحلم هنا
:أيقظتني طرقاتٌ فوق بابي
افتح الباب لنا يا ابن الزنى
افتح الباب لنا
!إن في بيتك حلماً خائنا
أدوار الإستحالة
: مراحل استحالة البعوضة
بويضة
دويبةٌ في يرقة
عذراء وسط شرنقة
بعوضةٌ كاملة
… ثم تدور الحلقة
: مراحل استحالة المواطن
بويضة
فنطفة معلّقة
فمضغةٌ مخلّقة
فلحمة من ظلمة لظلمة منزلقة
فكتلة طرية بلفة مختنقة
فكائن مكتمل من أهل هذي المنطقة
فتهمة بالسرقة
أو تهمة بالزندقة
أو تهمة بالهرطقة
فجثة راقصة تحت حبال المشنقة
و حولها سرب من البعوض
يغوص وسط لحمها
و يرتوي من دمها
و يطرح البيوض
:و للبيوض دورة استحالة موفقة
بويضة
دويبة في يرقة
عذراء وسط شرنقة
بعوضة كاملة
حفلة شنقٍ لاحقة
!… ثم تدور الحلقة
المتكتم
ألقيت خطاباً في النادي
و تلوت قصائد في المقهى
و نقدت السلطة في المطعم
!هل تحسب أنّا لا نعلم ؟
في يوم كذا
حاورت مذيعاً غربياً
و عرضت بتصريح مبهم
لغباوة قائدنا الملهم
!هل تحسب أنا لا نعلم ؟
في يوم مذا
جارك سلّم
فصرخت به: أيّ سلام
و كلانا، يا هذا، نعش
يتنقل في بلدٍ مأتم ؟
!هل تحسب أنا لا نعلم ؟
هذي أمثلةٌ… و الخافي أعظم
!إنّ ملفك هذا متخم
هل عندك أقوال أخرى ؟
لا تتكتّم
!دافع عن نفسك… أو تعدم
لا تتكلّم ؟
إفعل ما تهوى… لجهنم
شُنق الأبكم
أبا العوائد
قرأت في الجرائد
أن أبا العوائد
يبحث عن قريحة تنبح بالإيجار
تخرج ألفي أسد من ثقب أنف الفار
وتحصد الثلج من المواقد
ضحكت من غبائه
لكنني قبل اكتمال ضحكتي
رأيت حول قصره قوافل التجار
تنثر فوق نعله القصائد
لا تعجبوا إذا أنا وقفت في اليسار
وحدي، فرب واحد
تكثر عن يمينه قوافل
ليست سوى أصفار
لافتة
فكرت بأن أكتب شعراً
لا يهدر وقت الرقباء
لا يتعب قلب الخلفاء
لا تخشى من أن تنشره
كل وكالات الأنباء
ويكون بلا أدنى خوف
في حوزة كل القراء
هيأت لذلك أقلامي
ووضعت الأوراق أمامي
وحشدت جميع الآراء
ثم.. بكل رباطة جأش
أودعت الصفحة إمضائي
!وتركت الصفحة بيضاء
راجعت النص بإمعان
فبدت لي عدة أخطاء
قمت بحك بياض الصفحة
!واستغنيت عن الإمضاء
لافتة
وعلى الأرض ولاة
هو من يبتدئ الخلق
!وهم من يخلقون الخاتمات
هو يعفو عن خطايانا
!وهم لا يغفرون الحسنات
هو يعطينا الحياة
دون إذلال
وهم، إن فاتنا القتل،
!يمنون علينا بالوفاة
شرط أن يكتب عزرائيل
إقراراً بقبض الروح
!بالشكل الذي يشفي غليل السلطات
هم يجيئون بتفويض إلهي
وإن نحن ذهبنا لنصلي
للذي فوضهم
فاضت علينا الطلقات
واستفاضت قوة الأمن
بتفتيش الرئات
عن دعاء خائن مختبئ في السكرات
وبرفع البصمات
عن أمانينا
وطارت عشرات الطائرات
!لاعتقال الصلوات
ربنا قال
بأن الأرض ميراث التقاة
فاتقينا وعملنا الصالحات
والذين انغمسوا في الموبقات
سرقوا ميراثنا منا
ولم يبقوا منه
!سوى المعتقلات
طفح الليل
وماذا غير نور الفجر بعد الظلمات؟
حين يأتي فجرنا عما قريب
يا طغاة
يتمنى خيركم
لو أنه كان حصاة
أو غبارا في الفلاة
أو بقايا بعرة في أست شاة
هيئوا كشف أمانيكم من الآن
فإن الفجر آت
أظننتم، ساعة السطو على الميراث،
!!أن الحق مات؟!لم
لافتة
أربعة أو خمسة
يأتون في دبابة
فيملكون وحدهم
حرية الكتابة
والحق في الرقابة
والمنع والإجابة
والأمن والمهابة
والمال والآمال
والتصويب والإصابة
وكل من دب
ولم يلق لهم أسلابه
!تسحقه الدبابة
لافتة
بسيفه فتش عما أحتوي
وعندما سال دمي
صاح: اشهدوا يا ناس
هذا دموي!
صفّى دمائي قطرة فقطرة
وعندها
صاح: اشهدوا يا ناس
!هذا تصفوي
شهقت من تعجبي
صد هجوم شهقتي
!بالالتهاب الرئوي
لم يبق من أسلحتي
إلا السلاح اللغوي
جردني من قلمي
جردني من ورقي
أبطل لي قافيتي
فجر لي حرف الروِي
!أجرى رقابة على طول مجالي الشفوي
لم أرعَوِ
قلت له: الله أقوى.. يا قوي
قال: Shut up
صرخت: No
وعندها صاح: اشهدوا
!هذا سلاح نووي
لافتة
الكبش تظلّم للراعي
ما دمت تفكر
في بيعي
فلماذا ترفض
إشباعي؟
:قال له الراعي
ما الداعي؟
كل رعاة بلادي مثلي
.وأنا لا أشكو وأداعي
إحسب نفسك
ضمن قطيع
عربي
!وأنا الإقطاعي
لافتة
ما عندنا خبز ولا وقود
ما عندنا ماء.. ولا سدود
ما عندنا لحم.. ولا جلود
ما عندنا نقود
! كيف تعيشون إذن؟
! نعيش في حب الوطن
الوطن الماضي الذي يحتله اليهود
والوطن الباقي الذي
!يحتله اليهود
أين تعيشون إذن؟
! نعيش خارج الزمن
الزمن الماضي الذي راح
ولن يعود
والزمن الآتي الذي
!ليس له وجود
فيم بقاؤكم إذن؟
بقاؤنا من أجل أن
نعطي التصدي حقنة،
وننعش الصمود
لكي يظلا شوكة
!في مقلة الحسود
ما أصعب الكلام
شكراً على التأبين والإطراء
يا معشر الخطباء والشعراء
شكراً على ما ضاع من أوقاتكم
في غمرة التدبيج والإنشاء
وعلى مداد كان يكفي بعضه
أن يغرق الظلماء بالظلماء
وعلى دموع لو جرت في البيد
لانحلت وسار الماء فوق الماء
وعواطف يغدوا على أعتابها
مجنون ليلى أعقل العقلاء
وشجاعة باسم القتيل مشيرة
للقاتلين بغير ما أسماء
شكراً لكم؛ شكراً؛ وعفواً إن أنا
أقلعت عن صوتي وعن إصغائي
عفواً؛ فلا الطاووس في جلدي ولا
تعلو لساني لهجة الببغاء
عفواً؛ فلا تروي أساي قصيدة
إن لم تكن مكتوبة بدمائي
عفواً؛ فإني إن رثيت فإنما
أرثي بفاتحة الكتاب رثائي
عفواً؛ فإني ميت يا أيها
الموتى؛ وناجي آخر الأحياء
ناجي العلي لقد نجوت بقدرة
من عارنا،وعلوت للعلياء
إصعد؛ فموطنك السماء؛ وخلنا
في الأرض إن الأرض للجبناء
للموثقين على الرباط رباطنا
والصانعين النصر في صنعاء
ممن يرصون الصكوك بزحفهم
ويناضلون براية بيضاء
ويسافحون قضية من صلبهم
ويصافحون عداوة الأعداء
ويخلفون هزيمة؛ لم يعترف
أحد بها، من كثرة الآباء
اصعد فموطنك المرجى مخفر
متعدد اللهجات والأزياء
للشرطة الخصيان؛ أو للشرطة
الثوار؛ أو للشرطة الأدباء
أهل الكروش القابضين على القروش
من العروش لقتل كل فدائي
الهاربين من الخنادق والبنادق
للفنادق في حمى العملاء
القافزين من اليسار إلى اليمين
إلى اليسار إلى اليمين كقفزة الحرباء
المعلنين من القصور قصورنا
واللاقطين عطية اللقطاء
اصعد؛ فهذي الأرض بيت دعارة
فيها البقاء معلق ببغاء
من لم يمت بالسيف مات بطلقة
من عاش فينا عيشة الشرفاء
ماذا يضيرك أن تفارق أمة
ليست سوى خطأ من الأخطاء
رمل تداخل بعضه في بعضه
حتى غدا كالصخرة الصماء
لا الريح ترفعها إلى الأعلى ولا
النيران تمنعها من الإغفاء
فمدامع تبكيك لو هي أدركت
لبكت على حدقاتها العمياء
ومطابع ترثيك لو هي أنصفت
لرثت صحافة أهلها الأجراء
تلك التي فتحت لنعيك صدرها
وتفننت بروائع الإنشاء
لكنها لم تمتلك شرفاً لكي
ترضى بنشر رسومك العذراء
ونعتك من قبل الممات؛ وأغلقت
باب الرجاء بأوجه القراء
وجوامع صلت عليك لو أنها
صدقت لقربت الجهاد النائي
ولأعلنت باسم الشريعة كفرها
بشرائع الأمراء والرؤساء
ولساءلتهم : أيهم قد جاء
منتخباً لنا بإرادة البسطاء؟
ولسائلتهم: كيف قد بلغوا الغنى
وبلادنا تكتظ بالفقراء؟
ولمن يرصون السلاح؛ وحربهم
حب؛ وهم في خدمة الأعداء؟
وبأي أرض يحكمون وأرضنا
لم يتركوا منها سوى الأسماء؟
وبأي شعب يحكمون، وشعبنا
متشعب بالقتل والإقصاء؟
يحيا غريب الدار في أوطانه
ومطارداً بمواطن الغرباء
لكنما يبقى الكلام محرراً
إن دار فوق الألسن الخرساء
ويظل إطلاق العويل محللاً
ما لم يمس بحرمة الخلفاء
ويظل ذكرك بالصحيفة جائزاً
مادام وسط مساحة سوداء
ويظل رأسك عالياً مادمت
فوق النعش محمولاً إلى الغبراء
وتظل تحت"الزفت" كل طباعنا
مادام هذا النفط في الصحراء
القاتل المأجور وجه أسود
يخفي مئات الأوجه الصفراء
هي أوجه أعجازها منها استحت
والخزي غطاها على استحياء
لمثقف أوراقه رزم الصكوك
وحبره فيها دم الشهداء
ولكاتب أقلامه مشدودة
بحبال صوت جلالة الأمراء
ولناقد "بالنقد" يذبح ربه
ويبايع الشيطان بالإفتاء
ولشاعر يكتظ من عسل النعيم
على حساب مرارة البؤساء
ويجر عصمته لأبواب الخنا
ملفوفة بقصيدة عصماء
ولثائر يرنو إلى الحرية
الحمراء عبر الليلة الحمراء
ويعوم في "عرق" النضال ويحتسي
أنخابه في صحة الأشلاء
ويكف عن ضغط الزناد مخافة
من عجز إصبعه لدى "الإمضاء"
ولحاكم إن دق نور الوعي
ظلمته؛ شكا من شدة الضوضاء
وسعت أساطيل الغزاة بلاده
لكنها ضاقت على الآراء
ونفاك وهو مخمن على الردى
بك محدق فالنفي كالإفناء
الكل مشترك بقتلك؛ إنما
نابت يد الجاني عن الشركاء
ناجي، تحجرت الدموع بمحجري
وحشا نزيف النار لي أحشائي
لما هويت متحد الهوى
وهويت فيك موزع الأهواء
لم ابك؛ لم أصمت؛ ولم أنهض
ولم أرقد؛ وكلي تاه في أجزائي
ففجيعتي بك أنني تحت الثرى
روحي؛ ومن فوق الثرى أعضائي
أنا يا أنا بك ميت حي
ومحترق أعد النار للإطفاء
برأت من ذنب الرثاء قريحتي
وعصمت شيطاني عن الإيحاء
وحلفت ألا أبتديك مودعاً
حتى أهيئ موعداً للقاء
سأبدل القلم الرقيق بخنجر
والأغنيات بطعنة نجلاء
وأمد رأس الحاكمين صحيفة
لقصائد... سأخطها بحذائي
وأضم صوتك بذرة في خافقي
وأضمهم في غابة الأصداء
وألقن الأطفال أن عروشهم
زبد أقيم على أساس الماء
وألقن الأطفال أن جيوشهم
قطع من الديكور والأضواء
وألقن الأطفال أن قصورهم
مبنية بجماجم الضعفاء
وكنوزهم مسروقة بالعدل
واستقلالهم نوع من الإخصاء
سأظل أكتب في الهواء هجاءهم
وأعيده بعواصف هوجاء
وليشتم المتلوثون شتائمي
وليستروا عوراتهم بردائي
وليطلق المستكبرون كلابهم
وليقطعوا عنقي بلا إبطاء
لو لم تعد في العمر إلا ساعة
لقضيتها بشتيمة الخلفاء
أنا لست أهجو الحاكمين؛ وإنما
أهجو بذكر الحاكمين هجائي
أمن التأدب أن أقول لقاتلي
عذراً إذا جرحت يديك دمائي؟
أأقول للكلب العقور تأدباً
دغدغ بنابك يا أخي أشلائي؟
أأقول للقواد يا صديق؛ أو
أدعو البغي بمريم العذراء؟
أأقول للمأبون حين ركوعه
حرماً؛ وأمسح ظهره بثنائي
أأقول للص الذي يسطو على
كينونتي : شكراً على إلغائي؟
الحاكمون هم الكلاب؛ مع اعتذاري
فالكلاب حفيظة لوفاء
وهم اللصوص القاتلون العاهرون
وكلهم عبد بلا استثناء
إن لم يكونوا ظالمين فمن ترى
ملأ البلاد برهبة وشقاء
إن لم يكونوا خائنين فكيف
مازالت فلسطين لدى الأعداء
عشرون عاماً والبلاد رهينة
للمخبرين وحضرة الخبراء
عشرون عاماً والشعوب تفيق من
غفواتها لتصاب بالإغماء
عشرون عاماً والمواطن ماله
شغل سوى التصفيق للزعماء
عشرون عاماً والمفكر إن حكى
وهبت له طاقية الإخفاء
عشرون عاماً والسجون مدارس
منهاجها التنكيل بالسجناء
عشرون عاماً والقضاء منزه
إلا من الأغراض والأهواء
فالدين معتقل بتهمة كونه
متطرفاً يدعوا إلى الضراء
والله في كل البلاد مطارد
لضلوعه بإثارة الغوغاء
عشرون عاماً والنظام هو النظام
مع اختلاف اللون والأسماء
تمضي به وتعيده دبابة
تستبدل العملاء بالعملاء
سرقوا حليب صغارنا؛ من أجل من
كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
هتكوا حياء نسائنا؛ من أجل من
كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
خنقوا بحرياتهم أنفاسنا
كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
وصلوا بوحدتهم إلى تجزيئنا
كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
فتحوا لأمريكا عفاف خليجنا
كي يستعيدوا موطن الإسراء
وإذا بما قد عاد من أسلابنا
!رمل تناثر في ثرى سيناء
وإذا بنا مِزقُ بساحات الوغى
وبواسلُ بوسائل الأنباء
وإذا بنا نرثُ العناء مُضاعفاً
ونوُرث الضعفين للأبناء
ونخافُ أن نشكو وضاعة وضعنا
حتى ولو بالصمتِ والإيماء
ونخاف من أولادنا ونسائنا
ومن الهواء إذا أتى بهواء
ونخاف إن بدأت لدينا ثورةُ
من أن تكون بداية الإنهاء
موتى ، ولا احدُ هنا يرثي لنا
!قم وارثنا .. يا آخر الأحياء
المزيد من أشعار احمد مطر